هذه دراسة أعدها الزميل مبارك زويد العتيبي المحامي تتعلق بجريمة الرشوة ، ونتشرف بهذه المشاركة التي تثري الجانب القانوني للمدونة
جريمة الرشوة
مقدمة :
أتقدم بالدارسة هذه التي تتعلق بجريمة (الرشوة) لأضعها تحت يد القارئ وتحت نظره لإزالة اللبس والعموض في التعاطي مع مفهوم الرشوة، هذه الدراسة تهدف لإيصال المعلومة القانونية ولا تتطرق إلى الجانب السياسي في التعاطي (مع قضية الإيداعات المليونية) وإنما تهدف إلى نشر الثقافة القانونية ولتجيب على التساؤلات ولو كانت (فرضيه).
و من ثم فسوف نبحث في السطور القليلة القادمة الهدف من تجريم الرشوة وتنظيم المشرع الكويتي لتجريم الرشوة و صورها و كذا في الاتفاقية الدولية.
الهدف من تجريم الرشوة:
يجب أن تحمى الوظائف العامة وذلك بعدم الإخلال بواجباتها والأطراف التي تمس أعمالها وعدم الإتجار بالوظيفة العامة.
جرائم الرشوة القانون الكويتي.
تعتبر الرشوة من مظاهر الفساد في المجتمع وقد جرمها المشرع الكويتي على النحو التالي:
مادة 35/ يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة تساوي ضعف قيمة ما أعطى أو وعد به بحيث لا تقل عن خمسين ديناراً كل موظف عام طلب أو قبل لنفسه أو لغيره وعداً أو عطية لأداء عمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته، ويسي حكم هذه المادة ولو كان العمل المنصوص عليه في الفقرة السابقة لا يدخل في أعمال وظيفة المرتشي ولكنه زعم ذلك أو إعتقد خطأ، كما يسري حكم المادة ـ لو كان المرتشي يقصد أداء العمل أو عدم الإمتناع عنه.
* من المادة سالفة الذكر يتبين أن أحكام الرشوة ومفهومها جاءت من السعة لتستوعب وسائل الإتجار في الوظيفة العامة أو الخدمة العامة
أولا: تعريف جريمة الرشوة:
الإتجار بأعمال الوظيفة تقتضي وجود شخصين موظف أو مستخدم يطلب أو يقبل عملا أو وعدا به مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، ويسمى مرتشيا وصاحب المصلحة يسمى راشيا إذا قبل أداء ما يطلبه الموظف أو تقدم بالعطاء فقبله الموظف. وعلى ذلك تكون العبرة في جريمة الرشوة بسلوك الموظف لا بسلوك الطرف الآخر. فتقع الرشوة من قبل الموظف إذا ما عرض عليه قبولا صحيحا منتويا العبث بأعمال وظيفته ولو كان الطرف الآخر غير جاد في عرضه. ولا تقع الرشوة إذا لم يكن الموظف جادا في قبوله؛ كما لو تظاهر بالقبول ليسهل القبض على من يحاول إرشاءه متلبسا بجريمة عرض الرشوة.
وعلى ذلك فالرشوة فعل يرتكبه موظف عام أو شخص ذو صفة عامة عندما يتجر بوظيفته، أو بالأحرى يستغل السلطات المخولة له بمقتضى هذه الوظيفة، وذلك حين يطلب لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يمتنع عن ذلك العمل أو للإخلال بواجبات الوظيفة.
وهناك سؤال دائم التكرار وهو على ماذا ينصب الوعد أو العطية؟
ذلك ما عرفته المادة (38) صراحة ( يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك أو علم به ووافق عليه أيان كان إسمها أو نوعها سواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية).
لذلك يتبين أنه لا يلزم أن ينصب الوعد أو العطية على نقود أو تقدمات عينية فإن كل فائدة يحصل عليها الموظف سواء أكانت مادية (نقود) أو غير مادية (خدمات) تعتبر من قبل الرشوة المعاقب عليها قانوناً ومجرمة بحكم قانون الجزاء ـ هذا نصت عليه المادة سالفة الذكر صراحة.
ـ وقد يتوافر في الرشوة ما يسمى بالمستفيد وهو شخص يعينه المرتشي أو يوافق على تعيينه للحصول على الفائدة أو العطية موضوع الرشوة. وقد يساهم هذا المستفيد في جريمة الرشوة، بفعل من أفعال الاشتراك فيعتبر شريكا فيها، وتستلزم جريمة الرشوة لقيامها توافر شرط مفترض يمثل الصفة الواجب توافرها في الجاني، وركنين هما ركن مادي وهو النشاط الإجرامي الذي يتحقق به في نظر القانون معنى الإتجار بالوظيفة واستغلالها، وركن معنوي، وهو القصد الجنائي.
هذا و قد درج الفقاء الفرنسيون على البحث في الرشوة الإيجابية والرشوة السلبية، كل على حدة، وفقا للخطة التي اتبعها المشرع عندهم.
أركان جريمة الرشوة والشرط المفترض فيها:ـ
شرط مفترض ويتعلق بالصفة الخاصة للمرتشي إذ يتعين أن يكون موظفا عاما أو ممن يعدون في حكمه.
والركن المادي: وهو الطلب أو القبول أو الأخذ.
والركن المعنوي أو القصد الجنائي.
وسوف نتناول بالتوضيح ما سبق:
الشرط المفترض:ـ
افترض المشرع الكويتي لوقوع جريمة الرشوة أن يكون المرتشي موظفا عاما أو يدخل في طائفة معينة اعتبرها في حكم الموظفين العموميين.
اتجه الفقه في فرنسا إلى تعريف الموظف العام بأنه كل من يعهد إليه بعمل دائم يدخل ضمن كادر الوظائف الخاص بمرفق عام .
ويعرف البعض الموظف العام بأنه كل شخص تعينه السلطة العامة لأداء خدمة في مرفق عام مباشر على قدر من الدوام سواء كانت هذه السلطة العامة هي الحكومة المركزية ام مؤسسة عامة .
ويعرف البعض الاخر الموظف العام تعريفا واسعاً فيرى بأنه كل شخص يعمل في إحدى مؤسسات الدولة ويمارس الوظيفة العامة عن طريق التعيين او أي إجراء قانوني آخر .
ويمكن لنا ان نشير في هذا الصدد بأنه من تعريفات الفقه المختلفة نستطيع القول بان مصطلح الموظف العام يطلق على كل شخص يتولى العمل في خدمة مرفق عام يدار بطريق مباشر ويكون قد شغل مركزه بطريق سليم وبصفة دائمة .
لما كان القانون قد جعل مناط الشرط المفترض في صفة الجاني، لا في ممارسة أعمال وظيفته، فإنه لا يحول دون توافر هذا الشرط أن يكون الموظف في إجازة، أو موقوفا عن العمل؛ طالما أن صفته العمومية لا زالت قائمة. على أنه لا تقع الجريمة إذا زالت عنه هذه الصفة وقت ارتكابها إلا إذا مارس أعمال وظيفته على النحو الذي يجعله موظفا فعليا، طبقا لفقه القانون الإداري.
-يلزم أن تتوافر صفة الوظيفة العامة وقت ارتكاب الرشوة. فالجريمة لا تقوم إذا لم يكن الفاعل وقت إتيانه الفعل المادي فيها موظفا عاما أو من يعتبرون في حكمه وفقا للمادة 35 من قانون الجزاء والمادة (43) من نفس القانون التي نصت على أنه " يعد في حكم الموظف العام في تطبيق نصوص هذا الفصل أ ـــ الموظفون والمستخدمون والعمال في المصالح التابعة للحكومه أو الموضوعه تحت إشرافها أو رقابتها.
ب ـــ أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
ج ـــ المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون.
د ـ كل شخص مكلف بخدمة عامة.
ه ـــ أعضاء مجالس إدارة ومديرو وموظفوا ومستخدموا المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في رأس ماليها بنصيب ما بأية صفة كانت.
وإذا ما توافرت الصفة وقت ارتكاب الجريمة فليس بشرط أن تستمر إلى وقت اكتشافها أو رفع الدعوى عنها.
وعلى ذلك فإن انتهاء الخدمة العامة أو الوظيفة العامة بالعزل أو الاستقالة لا يحول دون الاعتداد بالصفة مادامت الجريمة قد وقعت وقت التمتع بها ولا تنقطع صفة الوظيفة العامة بقيام الموظف بإجازته أو بوقفه عن العمل طالما أن الصفة لم تزل عنه.
الركن الأول: المادي:
نصت المادة (37) من قانون الجزاء الكويتي على أنه " يعقاب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة 35 من هذا القانون كل من طلب لنفسه أو لغيره وعداً أو عطيه بزعم أنها رشوة لموظف وهو ينوي الإحتفاظ بها أو بجزء منها لنفسه أو لإستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر .....) وبناء على المادة سالفة الذكر يكون الركن المادي يتضمن عناصر وصورا متعددة لها:
(1)الطلب والأخذ والقبول.
تقع هذه الجريمة من الموظف العام المرتشي، وفيها يقوم الجاني بأداء عمل أو الامتناع عن عمل، أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وعلى ذلك يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من العناصر الآتية:
سلوك من الموظف العام، ويتمثل في شكل طلب أو أخذ أو قبول.
أن يكون موضوع السلوك منصبا على هدية أو عطية أو وعد.
أن تكون العطية أو الوعد بها مقابلا للعمل الوظيفي الذي يقوم به الموظف العام، أو يمتنع عن القيام به، أو قام به فعلا بالمطابقة أو المخالصة لواجبات الوظيفة.
وعنصر الطلب يكون مجرد طلب شخصي فائدة معينة للإتجار بالوظيفة أو العمل جريمة تامة فيكون هو البادئ بعرض خدمة معينة لقاء مقابل يحصل عليه ولا يشترط أن يلقى الطلب قبولا من جانب صاحب المصلحة. ولما كانت جريمة الرشوة تقتضي في طبيعتها وجود طرفين، الراشي والمرتشي، وقيام إيجاب وقبول، والتقائهما حتى تصبح تعتبر الجريمة قد تمت، فإنه يترتب على هذا أن مجرد الطلب من جانب المرتشي، أو العرض من جانب الراشي يعتبر شروعا في رشوة، إن لم يلقى أيهما قبولا على أن المشرع رأى في تصرف المرتشي ما يمثل خطورة بذاته فجعله جريمة مستقلة، لأنه كشف عن مدى عبثه بمهام وظيفته واتخاذها موضوعا للاتجار، مما قد يترتب عليه إفقاد ثقة الناس في رعاية مصالحهم بوجه حق.
و الجدير بالذكر أن المذكرة الإيضاحية حددت مفهوم العمل شارحةً العمل المطلوب من الموظف بحيث أن الأصل في العمل المطلوب من الموظف أن يكون داخل إختصاصه وما يحدده إختصاصه عن طريق تكليف قانوني أو إداري وليس أن يكون كلياً داخل إختصاصه وإنما يكفي لتحققها أن يكون جزئياً فقط وهو معيار العلاقة بين الموظف والعمل المختص بقيامه به.
ويدور السؤال لو كان العمل خارج أعمال الوظيفة بتكليف قانوني أو إداري ؟
هذا ما أجابت عليه المادة 35 صراحة بأنه " إذا تحققت الرشوة يسري حكم هذه المادة ولو كان العمل المنصوص عليه في الفقرة السابقة لا يدخل في أعمال وظيفة المرتشي ولكنه زعم ذلك أو إعتقد خطأ.....).
(2)طلب الوعد أو العطية:
إن خطورة الجريمة تكمن في كل ما يدل على أن الموظف قد باع ذمته فعلا وعبث بواجبات وظيفته عبثا لا نزاع فيه، فتزعزعت به الثقة وهي تمثل مقابلا للعمل الوظيفي الذي يقوم به الموظف، أو يمتنع عن القيام به فعلا.
(3)المكافأة اللاحقة وهو ما يعتبر من الجرائم الملحقة بالرشوة:ـ
نصت المادة 36 من قانون الجزاء على أن كل موظف عام قبل من شخص أدلى له بغير حق عملاً من أعمال وظيفته أو إمتنع بغير حق عن أداء عمل من أعمالها، هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الإمتناع عنه بقصد المكافأة على أدائه أو الإمتناع عنه وبغير إتفاق سابق بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسين دينار أو بإحدىى هاتين العقوبتين.. وسبب تخفيف العقوبة في جريمة المكافأة اللاحقة أنها لا تتضمن اتفاق سابق بين الموظف وطالب الخدمة, ولذلك يلزم لتوافر الجريمة أن ينصب القبول على هدية أو عطية وليس على مجرد الوعد بها، وذلك لأن الوعد بعمله على عمل غير مشروع تم دون اتفاق سابق تنتفي بالنسبة له صفة المقابل.
(4)الاستجابة لرجاء أو توصية أو وساطة:
تقع الجريمة هذه من كل موظف عمومي قام بعمل من أعمال وظيفته، أو امنتع عن عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها، نتيجة الرجاء أو توصية أو وساطة.
من النادر أن يقوم موظف بعمل من أعمال وظيفته أو يخل بواجباتها إلا بعد رجاء من طالب الخدمة، أو توصية أو وساطة من المعارف والأصدقاء، أو لطالب الخدمة، ويطلق عليه الفساد الإداري بالمحسوبية.
الركن الثاني: القصد الجنائي:
ويقصد به قصد المرتشي والراشي، وإثبات القصد؛ وبما أن جريمة الرشوة جريمة عمدية يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي. فهل يكتفى بالقصد العام أم بالقصد الخاص؟ ويعرف القصد العام بأنه هو توجيه إرادة الجاني نحو ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل يعلم أن القانون يقرر من أجله العقاب. والقصد الخاص يعرف ويشترط، فضلا عن توافر القصد العام، توفر ثبوت النية نحو تحقيق هدف معين يحدده القانون.
وذهب رأي أنه يجب أن يتوافر لدى المرتشي نية إجرامية خاصة، ولكن الرأي الغالب في الفقه هو أنه يكفي في جريمة المرتشي توافر بالقصد الجنائي العام.
وعلى ذلك قضت محكمة النقض المصرية أنه المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة يفعله ذلك لقاء القيام بعمل أو الامنتاع عن عمل من أعمال الوظيفة أو بالإخلال بواجباته، وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته أو استغلالها. ويستنتج من هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجباته الوظيفية.
قصد الراشي يجب أن يكون عارض في رشوة أو شارعا في رشي إلا إذا قصد من عرضه حمل الموظف على أداء عمل من أعمال وظيفته أو امتناع عنه. وبناءا لا يتوفر القصد في حقه إذا كان يجهل أن الموظف المختص.
إثبات القصد: يثبت بكافة طرق الإثبات، فليس من الضروري أن يفصح عنه المرتشي أو شريكه بقول أو بكتابة، لأنه قد يستنتج القصد من ظروف العطاء وملابساته.
ثالثا: عقوبة الرشوة:
أولا: عقوبة الراشي:
اقتصر المشرع في المادة 39 على بيان عقاب الراشي دون التعريف بجريمته. وهو موقف يوضح اتجاه القانون إلى اعتباره شريكا في جريمة الرشوة. إلا أن القانون قد عاقب الراشي باعتباره فاعلا أصليا في جريمة مستقلة، هي جريمة عرض الرشوة دون قبولها. وهي جريمة متميزة عن جريمة الرشوة بمعناها الدقيق. لأن الموظف لا يساهم فيها بأي قسط، بل إنه يتعين عدم قبول الرشوة حتى تقع هذه الجريمة.
واعتبار عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة جريمة خاصة لا يعني أن القانون وضع لها أحكاما خاصة، فهي لا تختلف عن الجريمة التامة إلا في عدم بلوغ الفاعل قصده. فالفاعل يجب أن يتقدم بالعرض، وأن ينصرف قصده إلى حمل هذا الشخص على أداء عمل من أعمال وظيفته، ولو كان العمل حقا أو الامتناع عن عمل من الأعمال المذكورة ولو ظهر أنه غير حق. أو الإخلال بواجبات وظيفته.
ولا يتحقق الإرشاء إلا باتفاق الراشي مع الموظف المرتشي على تقديم الرشوة إلى هذا الأخير مقابل أداء عمل أو امتناع عن أعمال وظيفته، أو يزعم أنه كذلك، أو الإخلال بواجبات وظيفته. ولا أهمية لكون الراشي هو الذي بادر بعرض الرشوة أن يكون الموظف هو الذي بادره بالطلب. فمتى تم الاتفاق بين الاثنين تعين مساءلة الراشي جنائيا بوصفه شريكا، ولو لم يكن بعد قد قام بتنفيذ ما وعد به، وذلك باعتبار أن مجرد قبول الموظف المرتشي للوعد أو العطية-ولو لم يكن قد أخذ الرشوة بعد- يعتبر وحده كافيا لوقوع الجريمة قانونا. ويستوي أن ينعقد الاتفاق المذكور بين الراشي نفسه والموظف، أو بواسطة من يمثلهما، أي الوسيط.
ويجب أن يحيط الراشي علما بصفة المرتشي، أو أن الرشوة التي عرضها أو قدمها إليه مقابل إتجار هذا الأخير بوظيفته أو استغلاله إياه ولا يقصد من ورائها شراء ذمة الموظف فإن جريمته لا تقع لو قبلها الموظف قاصدا الإتجار بوظيفته أو استغلالها ثمنا لذلك. هذا دون إخلال بمساءلة الموظف عن قصده الجنائي.
وقد عاقب المشرع الراشي في المادة 39 جزاء بنفس عقوبة المرتشي حسب المادة 35 بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة تساوي ضعف قيمة ما أعطى أو وعد به بحيث لا تقل عن خمسين ديناراً.
ونجد أن المشرع قد شدد عقوبة الرشوة في المادة (40) إذا كان الغرض من الرشوة إرتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوه والتشديد يتضح هنا من خلال إضافة عقوبة الغرامة لعقوبة الجريمة الأشد.
ثانيا: عقوبة الوسيط:
اقتصر قانون الجزاء في المادة 39 على بيان عقوبة الوسيط دون تعريفه كما فعل بالنسبة للراشي، فجاء نص المادة على أنه " يعاقب الراشي أو السيط بالعقوبة المقررة للمرتشي فإذا كان أداء العمل أو الإمتناع عنه حقاً فيعاقب الراشي أو الوسيط بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي جميع الأحوال يعفى الراشي والوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات العامة بالجريمة ولو بعد تمامها.
والوسيط هو كل شخص يتدخل بين الراشي والمرتشي، ممثلا أحدهما لدى الآخر في القيام بدوره لإتمام جريمة الرشوة. ولا شك أن مهمة الوسيط تقتضي منه أن يكون على اتفاق مع من يمثله راشيا أو مرتشيا، أو مع الاثنين معا. ومن ثم فهو لا يعدو أن يكون شريكا في جريمة الرشوة إذا ما تمت بناءا على هذا الاشتراك.
ويجب علينا عدم الخلط بين الوسيط عن المرتشي والمرتشي ذاته، الذي يطلب الرشوة لغيره. الوسيط لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة تنقل رغة المرتشي دون حاجة إلى أن يكون مختصا أو زاعما للاختصاص بالعمل المراد أداؤه مقابل الرشوة. هذا بخلاف المرتشي الذي يطلب الرشوة لغيره مقابل عمل يدخل في اختصاصه الحقيقي أو المزعوم. بحيث أن الوسيط لا يشترط فيه أن يكون موظفا عاما بخلاف المرتشي الذي يجب توافر صفة فيه.
ويتعين لمساءلة الوسيط عن الرشوة التي ساهم فيها أن يعلم بأركان الجريمة التي يريد المساهمة فيها، فيجب أن يحيط علما بصفة الموظف، وأن الذي سيتقاضاه هذا الأخير إنما هو مقابل عمل من أعمال وظيفته. فمثلا إذا اعتقد الوسيط أن العطية التي أخذها نيابة عن موكله هي هدية أو دين فإن مسئوليته عن الاشتراك في الجريمة لا تتحقق قانونا، ولا يشترط أن تتجه نية الوسيط إلى تقديم العطية للمرتشي، بمعنى أنه إذا تدخل بالوساطة قاصدا الاستيلاء لنفسه على الرشوة، لم يحل ذلك دون مساءلته جنائيا باعتباره شريكا في الرشوة، وذلك باعتبار أن الرشوة قد تمت بمجرد قبول الرشوة أو أخذها نيابة عن المرتشي.
ويلاحظ ان المشرع قد خفف العقوبة تدريجياً إلى حد الإعفاء من العقوبة فمثلاً إذا كان أداء العمل أو الإمتناع عنه حقاً فيخفف العقاب إلى الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، ثم أعفى الراشي والوسيط منها تماما إذا قاما بالإبلاغ عن الجريمة حتى ولو تمت.
ويلاحظ أنه في جميع الأحوال يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أبلغ السلطات عن جريمة الرشوة ولو بعد تمامها.
الأستاذ/ مبارك زويد العتيبي