مسألة توحيد الجنسية ظهرت إلى السطح مجددا بعد الاقتراح بقانون المقدم من مجموعة من اعضاء مجلس الأمة بتعديل قانون الجنسية بشكل يكفل توحيد الجنسية بين المواطنين وهذا الإقتراح رُفض من اللجنة التشريعية في المجلس، والحجج التي تم الرفض بناء عليها هي حجج واهية لا تخفي العنصرية والتمييز الذي يحملها أعضاء اللجنة الرافضين للإقتراح، كما أن المؤيد الوحيد للاقتراح لم يورد حججه في قبوله وجاء خلف شعار عريض يسمى "توحيد الجنسية" دون بيان مكمن المشكلة وآلية حلها.
وهنا مساحة أسلط فيها الضوء على مسألة توحيد الجنسية من وجهة نظر شخصية، أعرض فيها الرأي في هذه المسألة دون إسهاب في ما عداها من مسائل الجنسية التي يطول الحديث عنها.
بداية تبين المذكرة الإيضاحية لقانون الجنسية أن ((قانون الجنسية في كل البلاد يعتبر من أهم القوانين وأبعدها أثرًا، فهو الذي يرسم حدود الوطن، ويميز بين المواطن والأجنبي، والبلد الذي ليس له قانون جنسية ينظم جنسية مواطنيه يعوزه مقوم من أهم مقوماته.
...
من أجل ذلك كان أمرًا جوهريًا أن يكون على رأس التشريعات التي تصدرها "حكومة الكويت" قانون الجنسية، وقد سبق أن صدر قانون رقم ٢ لسنة ١٩٤٨ ينظم الجنسية الكويتية، على غرار قانون الجنسية المصري الصادر في سنة ١٩٢٩، ولكن يبدو أن هذا القانون كان حظه من التطبيق العملي محدودًا، فبقي غير معروف، وبالأخص لم يتم حصر المواطنين الذين يعتبرون كويتيين على مقتضى أحكامه))
قبل الحديث في صلب الموضوع يجب أن نبين عدة نقاط
أولاً : قانون الجنسية وضع قبل وجود الدستور ولكنه لم يغفل أن الدستور في طور الوجود قريبا لذا نشد هذا القانون مبادئ المساواة والعدالة كما أنه لم يكن بمعزل عن التوجه العالمي للتأكيد على حقوق الإنسان، وعليه تطلع بعين المشرع الخبير لما سيكون عليه حال هذه الإمارة الناشئة.
ثانيًا : قد لا يستسيغ القارئ المديح لهذا القانون (الذي ذكرته في أولاً) نتيجة الواقع العملي الذي شوهه هذا القانون، لكن القانون وضع بيد القامة القانونية العربية الفقيه الراحل عبدالرزاق السنهوري الذي كان في الكويت وأشرف على وضع على القوانين الأساسية اللازمة لبناء الدولة، ولعل من هو بمكانة السنهوري عند صياغته لقانون ما فإن كمال العمل يرجى منه أكثر من غيره.
ثالثا : مفهوم المساواة المنصوص عليها في الدستور في المادتين ٢٩،٧
يقصد به (وعلى وجه التحديد المساواة أمام القانون): خضوع جميع المراكز القانونية (المتماثلة) لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقاً للهدف الذي توخاه القانون، ومع ذلك يتحقق المبدأ بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة، وقد جاء بأحكام المحكمة الدستورية ما يؤكد ذلك الرأي المستقر عليه فقهيًا.
رابعًا : أن الفهم السائد لدلالات المواد التي تنظم منح الجنسية (أولى، ثانية، خامسة ،،،)هو فهم خاطئ نتيجة التطبيق السيء الذي لحق في القانون من السنوات الأولى وحتى يومنا هذا مما رسخ الفهم بأن تلك الدرجات هي درجات لبيان المواطنة وليست مجرد رقم مادة قانونية تبين سبب منح الجنسية الكويتية.
وبناء على هذه النقاط نبين الرأي حول مسألة توحيد الجنسية ،،،
تعددت المواد التي بناء عليها تمنح الجنسية الكويتية, فالمادة الاولى تختص في المؤسسين الاوائل اما المادة الثانية فهي صلب قانون الجنسية والمادة الدائمة فيه وتمنح بناء على رابطة الدم من جهة الاب فأي مولود لاب كويتي "يولد في الكويت او خارجها" يكون كويتيا, اما المادة الثالثة فهي لمجهولي الاب ولمن ولد بغير علاقة شرعية ان اعترفت به امه شريطة ان تكون كويتية الجنسية, ثم تأتي المواد الرابعة والخامسة والسابعة والثامنة تباعا لتقرر كيفية الحصول على الجنسية الكويتية للاجنبي اي بالتجنس.
وعلى ضوء ذلك نجد ان فلسفة القانون تقضي بأن تتعدد الفئات بداية الا انها تنصب لتشكل فئة واحدة متساوية في الحقوق والواجبات, اولا نجد فئة المؤسسين الذين توطنوا الكويت قبل عام 1920 وحافظوا على اقامتهم بها حتى صدور القانون في عام 1959 وخصصت لهم المادة الاولى كما سبق بيانه, وهذه المادة مؤقتة اي ان لها وقت معين ثم يجب وقف تطبيقها, فصحيح القانون ان هذه المادة لاتمنح لمن ولدوا بعد تطبيق القانون, اما الفئة الاخرى فهي فئة المتجنسين الذين يمنحون الجنسية الكويتية بناء على اقامتهم الطويلة ام اعمالهم الجليلة, ثم تأتي الفئة التي من المفترض ان تكون الفئة العريضة من المواطنين حسب فلسفة القانون الاصلي "قبل ان تعبث فيه يد المشرعين" وهم الذين يولدون لاب كويتي – سواء كان الاب كويتيا بالتأسيس أم بالتجنس - وفقا لنص المادة الثانية من القانون.
إذن المشرع عندما اوجد فئة المؤسسين لم يكن ذلك بهدف تمييزهم عن غيرهم من المواطنين انما اوجدها ليحدد احد مقومات الدولة الجديدة "الشعب", ثم بعد ذلك حدد كيف يمكن للاجانب ان يكتسبوا الجنسية الكويتية عبر طول الاقامة او باعمالهم الجليلة التي يقدمونها للدولة, ايضا حماية لمجهولي الابوين ألزم القانون الدولة بمنحهم الجنسية شريطة ان يولدوا داخل اقليم الكويت, ثم جاء بعد ذلك ليقضي على التمييز الدائم بين المؤسس أو المولود كويتيا "الكويتي بصفة اصلية"والمتجنس عبر المادة الثانية حيث جعل كل من يولد لاب كويتي - وصفة الكويتي هنا صفة مطلقة يقصد بها الكويتي بالتأسيس والكويتي بالتجنس - كويتيا بصفة اصلية يتمتع بكامل الحقوق والواجبات.
وعند النظر في تطبيق هذا القانون وما يحمل من فلسفة, نجد ان نص المادة الثانية طيلة هذه السنوات لم تطبق فعليا، وإن طبقت فيكون بشكل خاطئ عبر اسلوب تمييز عنصري مارسه اعضاء لجنة الجنسية "في بدايات تطبيق القانون" ينطوي على تمييز الكويتيين درجة اولى ودرجة ثانية.
وعدم التطبيق هذا خلق مشكلة على جانبين ,,
-أن ابناء الكويتيين المؤسسين يمنحون الجنسية بناء على ذات المادة التي منح أباؤهم بالرغم من عدم انطباق الشروط المنصوص عليها في صلب المادة عليهم, والاصل انهم يمنحون الجنسية بناء على المادة الثانية لا الاولى.
- أن ابناء الكويتيين بالتجنس "المولودون بعد منح الاب الجنسية" يمنحون الجنسية وفقا للمادة السابعة اي بالتجنس ايضًا رغم عدم انطباق تلك المادة بحقهم لانها مخصصة لاولاد المتجنس القصر أي المولودين قبل منحه الجنسية، والتطبيق الصحيح ينص على منحهم الجنسية بصفة أصلية وفقا للمادة الثانية.
إلا أن الحكومة بعد الغزو تنبهت للظلم الواقع على أبناء الكويتي المتجنس الذين يولدون بعد منحه الجنسية، تقدمت بمشروع قانون لاضافة فقرة جديدة للمادة السابعة تمنح لأبناء الأب الكويتي المتجنس الجنسية بصفة الأصلية.
إلا أنها بهذا التعديل قد "زادت الطين بلةً" حيث تغافلت عن المادة الثانية من القانون التي تقرر ذات الأثر وأبقت التمييز بين الكويتيين أبناء المؤسسين وأبناء المتجنسين!!
وبالإطلاع على المذكرة الإيضاحية للتعديل سالف الذكر نجد أن الحكومة ذكرت حق أبناء المتجنس بالحصول على الجنسية بصفة أصلية وفق المادة الثانية إلا أنها ولسبب في نفسها لم تفعل تلك المادة بل استحدثت فقرة جديدة تعمق المشكلة.
واللوم الأكبر يوجه لأعضاء مجلس ٩٢ الذين وافقوا على مثل هذا التعديل متناسين أن القانون في هذه المسألة لا يحتاج لتعديل بقدر حاجته للتطبيق!!
ولما كان ما تقدم ،، فالسؤال هل مسألة توحيد الجنسية فهل التوحيد المنشود سيكون على مستوى الحقوق كأن يكون المواطنون جميعًا ذو الصفة الأصلية والمتجنس متساوون بالحقوق وخاصة السياسية وتقلد المناصب القيادية "لأنها الفارق الصريح بينهم" أم أن التوحيد سيكون على مستوى رقم المادة المكتوب على شهادة الجنسية؟؟
إن كان التوحيد وفقًا للحقوق فيجب ألا ننسى المقصود من حق المساواة الذي بيناه سالفًا بحيث لا نغفل أن المتجنس هو في مركز قانوني مختلف عن المواطن بصفة أصلية لذا فإن حرم المتجنس من حقه السياسي لمدة زمنية محددة لا يخالف هذا الأمر مبدأ المساواة المقصود دستوريًا، وإن كنت أرى أن فترة الحرمان المنصوص عليها في القانون حاليًا هي فترة طويلة (٢٠ عامًا) غير مبررة إطلاقًا وتقليصها إلى ٥ أعوام أمر مهم.
(الحديث هنا عن المتجنس الذي يمنح الجنسية وأبناؤه القصر، أما من يولد من أبناؤه بعد منحه الجنسية فهم كويتيون بصفة أصلية أي لهم كافة الحقوق وإن كان ذلك وفق المادة ٧ الفقرة ٣ والأولى أنهم يستحقونها وفقًا للمادة ٢ كما شرحنا)
أما إن كان التوحيد ينشد توحيد الجنسية بناء على أرقام المواد فهو تعديل سطحي لا يخلو من الغباء التشريعي، وهو أمر ينذر بأن المشرع لا يفقه أصل المشكلة.
برأيي الشخصي مسألة توحيد الجنسية تحتاج تطبيق القانون، بشكل تزول معه المفاهيم الخاطئة بأن الجنسية الأولى أو الثانية أو حتى السابعة ليست سوى أرقام مواد تبين سبب اكتسابك للجنسية الكويتية ولا تعني درجة مواطنتك!!
وتطبيق القانون لا يكون إلا بوضع الإدارة تحت نظر القضاء وبإتاحة الفرصة للقضاء بوضع تفسيراته للقانون وتطبيقه بشكل بعيد عن تفسيرات الإدارة التي لا تخلو عادةً من الأهواء وتتغير بتغير شخوص المسؤولين.
فالأولى تمكين القضاء من الرقابة على قرارات الإدارة المتعلقة بالجنسية قبل أي تعديل في مواد القانون مهما كانت أهميته، فالمنطق أن الإدارة التي لم تطبق القانون بشكله الصحيح منذ اصداره لن تطبق أي تعديل عليه ليس لشيء سوى أنها أمنت تحصين قراراتها من رقابة السلطة القضائية.
أيضًا إن كان هناك تعديل مُلح فهو إلغاء الفقرة ٣ من المادة ٧ والإكتفاء بالمادة ٢ والعمل على تطبيقها على كل من ولد لأب كويتي منذ تاريخ ١٩٥٩/١٢/٢٤ سواء كان الأب مؤسسًا أم متجنسًا وهنا سنكون أمام تطبيق صحيح لفلسفة القانون الأساسية بحيث تكون الفئة العريضة هم الكويتيين بناء على المادة ٢ ونوقف التطبيق الخاطئ للمادة ١ ونقضي على الفوارق المترتبة على ذلك.
________
المدون العزيز "حلم"
له رأي عندما تناقشنا في مسألة توحيد الجنسية فهو يرى بنهج الصدمة أي أن ننسف القانون الحالي كليةً ونستحدث تشريع جديد يكون بمعزل عن الإنطباعات السابقة التي حظي بها القانون القديم ،،، ورأيه يحمل قدرًا كبيرًا من الوجاهة خاصة أن تجميل قانون الجنسية لم يعد بالإمكان نظرًا لكثرة تشواهته!!
وهذا جانب من رأيه :
((نجتهد ونحاول إصلاح وضع مختل. إلا إن درجة تشابك وتعقيد الموضوع تجعل الكثيرين يستكينون للوضع مخافة التغيير المجهول
كيف نعالج هذا الخوف؟ من أين نبدأ وإلى أين سننتهي؟ هل من الحكمة محاولة إعادة الواقع المعقد الى نصابه الصحيح البسيط؟
أم أنه من الأسهل وربما أسلم أيضاً أن نقوم بنسف الواقع وإقامة واقع جديد لا يحمل أياً من تعقيدات الماضي. إسلوب الصدمة
كلام سياسي قد لا يستسيغه أهل القانون. لكنهم يحبون تعقيد الأمور "أحياناً"))