تمهيد
بدايةً نؤكد على احترام حكم المحكمة وأننا نوجه له نقدًا نزيهًا علميًا استخدامًا لنص المادة ١٤٧ من قانون الجزاء الذي أباح ذلك بقوله "ولا جريمة إذا لم يجاوز فعل المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة لحكم قضائي، سواء تعلق النقد باستخلاص الوقائع أو تعلق بكيفية تطبيق القانون عليها."
____________
- حكم المحكمة:
الحكم كاملاً :
الحكم موجزًا :
حكم المحكمة الدستورية اليوم رد في مجمله على ثلاثة أوجه يبني عليها الطاعن طعنه بعدم الدستورية :
أولها : مرسوم الحل غير دستوري لأن الحكومة لم تؤدِ القسم الدستوري امام المجلس لتعذر انعقاده، معللا ذلك بأن الحكومة لايجوز لها أن تباشر أي اجراء يتعلق بالسلطة التشريعية قبل آداء القسم أمام المجلس.
وردت المحكمة على ذلك بأن الحل هو وسيلة دستورية مقررة للسلطة التنفيذية وتعليقها بآداء القسم أمام المجلس من شأنه غل يدها باستخدام هذه الآداة وعلقت على ذلك بقولها أن هذا النعي "يتشبث بالنصوص دون النظر لجوهرها ومبناها"
ثانيًا: نعى الطاعن المرسوم رقم ٢٠١٢/٢٠ بشأن تعديل قانون الانتخاب بعدم الدستورية لمخالفتة الشروط والضوابط الدستورية المقررة لاصدار مراسيم الضرورة، وعلى الأخص تخلف شرط الضرورة عن مرسوم الصوت الواحد.
وهنا دفع محامي الدولة بعدم اختصاص المحكمة باعتبار هذا المرسوم من الاعمال السياسية التي تخرج عن رقابة القضاء.
وهنا تصدت المحكمة لهذا الدفع مقررة اختصاصها وباسطة رقابتها على المراسيم بالضرورة ،، حيث سطرت الحجج التالية:
١/ أن الدستور في نص المادة ١٧٣ وكذلك قانون إنشاء المحكمة نصا صراحة على رقابة المحكمة للتشريعات بل وجعلا من المحكمة سلطة الفصل الوحيدة لنظر دستورية القوانين.
٢/ أن الرقابة التي تباشرها المحكمة بطبيعتها تتناول التحقق من مدى مطابقة القوانين لاحكام الدستور، وهذه الرقابة تشمل التشريعات كافة على اختلاف انواعها ودرجاتها سواء تلك التشريعات التي تصدر عن السلطة التشريعية "الأصلية" أم التي تصدر عن السلطة التنفيذية "الإستثنائية" كما تراقب اللوائح والقواعد التنظيمة متى ماصدرت متصفة بالعمومية والتجريد، وعلى ذلك كما قالت المحكمة "لا يسوغ القول لأي سلطة ان العمل الذي أقرته عمل سياسي أو يغلب عليه الطابع السياسي إذ أن من شأن هذا القول أن يفرغ الرقابة الدستورية من مضمونها بل يهدم الرقابة الدستورية من أساسها"
٣/ أن المادة الاولى من قانون إنشاء المحكمة نصت صراحة على بسط رقابتها الدسنورية على المراسيم بقوانين، ولا اجتهاد مع النص.
٤/ أن مساهمة السلطة التنفيذية في العمل التشريعي لا تجعل منه أعمالا سياسية، لأنها تتعلق بما تباشره من عمل تشريعي على النحو المبين بالدستور، مقيدة بذلك بالإمتثال لنصوصه وأحكامه وعدم الخروج عليها.
وأن الدستور وأن أعطى السلطة التنفيذية هذه المكنة الإستثنائية وفق المادة ٧١ إلا أن قيدها
بعدة شروط لا يمكن ممارستها إلا بالالزام باتباعها ومنها
أ/ أن تكون بين أدوار الإنعقاد لمجلس الأمة وفي فترة حله.
ب/ أن تصدر لتدابير توجب الإسراع في اتخاذها لاتحتمل التأخير.
ج/ وألا تكون مخالفة لأحكام الدستور.
وعلى ضوء هذه الشروط فإنه لا يجوز التذرع باسقاطها أو تجاوزها بأنها أعمال سياسية، اذ لا تستعصي على الفحص والتدقيق من قبل المحكمة.
كما أكدت كذلك أن موافقة المجلس على تلك المراسيم بقوانين لا يحصنها من راقبة المحكمة الدستورية.
ثم إلتفتت المحكمة إلى ما قدمه الطاعن من اسباب للقول بعدم دستورية الصوت الواحد حيث قالت
أن التشريعات تصدر لحوائج الأمة وخيرها ما كان معبرًا تعبيرًا صادقًا عن إرادتها وإتجاهاتها ملبيًا لمتطلباتها.
ثم نوهت للخلاف الفقهي حول إعطاء السلطة التنفيذية مكنة التشريع الاستثنائي.
وعادت مرة أخرى لتؤكد شروط التشريع الاستثنائي وتناولتها بالبيان كون الشرط الأول خاص بالشكل والشرطان الآخران خاصان بالموضوع.
والأهم هو تناولها للشرط الثاني المتعلق بالتدابير التي توجب الإسراع بإتخاذها ولا تحتمل التأخير
ثم فرقت المحكمة هنا بين وعبارة (في أحوال الضرورة) الواردة بنص المادة ٦٩ الخاصة بالاحكام العرفية وعبارة (اذا حدث ... ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير) الواردة بنص المادة ٧١.
حيث قالت أن العبارة الواردة بنص المادة ٧١ أوسع وأشمل وهو ما ينصرف معناه إلى شمول الأحداث والظروف العارضة وما تقتضيه المصالح الملحة والأخطار المهددة، التي تأخذ حكمها "دون قصر فهم المعنى على لزوم أن يجد حدث جديد".
وأن معيار تقدير ذلك يكون في وقته وظروفه ومحيطه، وما يتطلبه الإجراء من أغراض.
ثم بدأت تنزل الشروط السابقة على مرسوم ٢٠١٢/٢٠:
وهنا رددت المحكمة مسببات المرسوم كما جاء في مذكرته الإيضاحية (إثارة النعرات الطائفية والقبلية وعدم تمثيل الأقليات)، ثم عللت صدور هذا التعديل بمرسوم ضرورة كون مجلس الأمة لم يستطع الانعقاد مما استوجب معه اصدار مرسوم الحل، وكذلك مرسوم الصوت الواحد إعمالا لسلطتها الاستثنائية وغايتها في ذلك وضع حد لتلك السلبيات التي سطرتها المذكرة الايضاحية والتي سلمت بها المحكمة.
ردت كذلك على عدم دستورية الصوت الواحد لاخلاله بحق الناخب أن هذا النظام مطبق في عديد من ديمقراطيات العالم وهو يحقق العدالة ويخلص النائب من ضغوط دائرته، ولا تتلاشى معه الأقلية ليكون مرآة صادقة للرأي العام.
كما أوضحت أن رفض دعوى الحكومة في عدم دستورية نظام الخمس دوائر والأربع أصوات لا يمنع من تعديله، كما أن الأخذ بهذا النظام لا يمنع من تعديله مستقبلا، وأن التعديل لا يتعارض مع نص المادة ١٠٨.
وأخيراً وضحت أنه لا محل للقول بقصر تعديل قانون الانتخاب بنواب الأمة بصفتهم التشريعية، وعدم جواز تعديل الحكومة لقانون الانتخاب بما يتوافق مع مصلحتها، اذ أنه في المقابل للنواب مصلحة مفترضة في الترشح المستقبل، فكيف يراد من النائب أن يرى المقترح بعين المشرع لا بعين المرشح.!!
ثالثًا : الطعن بعدم دستورية المرسوم بقانون ٢٠١٢/٢١ بشأن انشاء لجنة الانتخابات.
حيث عددت المحكمة اختصاصات اللجنة
ثم تناولت الغرض من إنشائها حسبما ورد في مذكرتهم الإيضاحية ( أن المصلحة العليا تستوجب في الفترة الدقيقة التي تمر بها البلاد الإسراع في تشريع يلبي الحاجة الملحة في انشاء كيان موحد ومستقل ... يتولى الإشراف على العملية الإنتخابية بجميع مراحلها)
ثم أحالة المحكمة لشروط التشريع الإستثنائي التي أوردتها في سالف ردها على الطعن بمرسوم الصوت الواحد.
ثم أنزلت تلك الشروط على مرسوم لجنة الانتخابات حيث فحصت الضرورة ونفت توافرها بقولها ( أن المصلحة العليا للبلاد لا يمكن أن تختزل بإنشاء لجنة تهدف لمزيد من الشفافية والنزاهة للعملية الإنتخابية)
وخلصت لعدم توافر الشروط الواردة بنص ٧١ مما حق معه القضاء بعدم دستورية المرسوم بقانون ٢٠١٢/٢١ الخاص بلجنة الانتخابات.
وعلى ذلك أبطلت المحكمة العملية الانتخابية وما نتج عنها من تشكيل لمجلس الأمة واستوجبت إعادة الانتخابات مرة أخرى في بحر المدة الدستورية ٦٠ يوما كون حل مجلس ٢٠٠٩ لازال قائما لم يتعرض للابطال كما اسلف الحكم.
_______
التعليق
الإيجابيات :
حسم الحكم خلافًا وجدلًا قديمًا في بسط رقابتها على المراسيم بقوانين أو بالأحرى توافر عنصر الضرورة من عدمه وفحصه باعتبارة من الشروط الدسنورية لمثل هذه الآداة التشريعية.
وهذا المبدأ الجديد مبدأ يكتب من نور كونه يعلي من شأن الرقابة الدستورية ويقيم للمؤسسات الدستورية إعتبارها.
ورغم طول الإنتظار لإقرار هذا المبدأ الذي يعد من قبيل المنطق القانون السليم لدور المؤسسة الرقابية الدستورية، إلا أننا نلتمس العذر للمحكمة كون نظامنا السياسي يعاني من الجمود وهو ما يعيق تطور القضاء الذي يستمد ذلك من تطور الأحداث وتعددها.
المآخذ :
*فساد الإستدلال:
١/ يؤخذ على حكم المحكمة فساد الإستدلال عندما شيد أسباب الحكم بعدم الدستورية لمرسوم والدستورية لمرسوم آخر حيث أقرت المحكمة المرسوم بقانون ٢٠١٢/٢٠ "الصوت الواحد" بالأخذ بظاهر ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية للمرسوم بأن المصلحة العليا للبلاد تستوجب ذلك التعديل، في حين أنها أعملت ميزانها في تقدير ضرورة المرسوم ٢٠١٢/٢١ بإنشاء لجنة الانتخابات حيث ردت القول بأن المصلحة العيا للبلاد لا تتطلب بل لا تختزل انشاء مثل هذه اللجنة.
وكان حريًا بالمحكمة النظر بعين فاحصة لعبارات المذكرة الإيضاحية لمرسوم الصوت الواحد، لا أن تردد العبارات مسلمة بها دون تمحيص، التمحيص والفحص الذي لا يخالف ما استقرت عليه المحكمة من أنها لا تفحص ملائمات التشريع، بل لا يعدو كونه فحصًا لغاية التشريع وعلاقته بشرط الضرورة.
كما أن المحكمة في أول وجوه الطعن الاي ساقها الطاعن ردت عليه بقولها "أن الطاعن تشبث بظاهر النصوص دون النظر لجوهرها ومبناها"
ثم عادت لتمارس هي التشبث في ظاهر النصوص عندما سلمت بقول المذكرة الايضاحية لمرسوم الصوت الواحد بأنه جاء للمصلحة العليا للبلاد تجنبا للنعرات الطائفية والقبلية، معللة رفضها للطعن بعدم دستوريته بظاهر نص المذكرة الإيضاحية.
٢/ يؤخذ على الحكم في رده على القول بعدم جواز تفرد الحكومة بتعديل قانون الإنتخاب ليتوافق مصلحتها أن برر ذلك بالقول بتوافر المصلحة كذلك للنواب لا بكونهم مشرعين بل كونهم مرشحين مستقبلًا، والحكم في ما ذهب إليه أغفل واقعًا لآلية عمل السلطات أو طريقة تشكيلها فالحكم فاته أن السلطة التشريعية هي الرقيب على عمل الحكومة لذا من بالغ الضرر أن يسمح للحكومة بتعديل قانون الانتخاب ليتوافق مع مصالحها في رقيب ضعيف أو موالٍ لها لا لسبب "كما ترى المحكمة" إلا أن ذات المصلحة قد تتوافر في النواب كونهم سيشرعون قانون الانتخاب كمرشحين لا كمشرعين!!
كما اغفلت المحكمة أن المشرع إذا ما أخطأ فمرده للإمة لتحاسبه عن خطئه أما الحكومة فمردها للسلطة الرقابية - علاوةً لسمو الأمير- وهي مجلس الأمة الذي قامت بتعديل قانون انتخابه ليواكب مصالحها.
٣/ كما يؤخذ على الحكم توسعه في مفهوم التدابير التي لا تحتمل التأخير حيث لم يربطها بحدث يستجد خلال فترة غياب المجلس، وهذا يؤكد الرأي بما يعتري الحكم من عيب فساد الاستدلال كونه أولاً أقر بالطبيعة الاستثنائية المستعجلة التي لا تحتمل التأخير للمراسيم بقوانين، ثم يوسع من مفهوم تلك الظروف الاستثنائية لتمتد لفترة قبل غياب المجلس!!
بحيث يمكن أن تنشأ حالة الإستعجال في وجود المجلس (المشرع الأصيل) وبالرغم من أنه لم يستشعر أو يقدر الحاجة الطارئة أو الظروف الملحة، يمكن بعد غيابه أن تقدر السلطة التنفيذية تلك الحاجة الملحة والظرف الطارئ!!
الله يعطيك العافية
ردحذفشرحك وافي
تحياتي
خالف تعرف!
ردحذفما عيوب ومخاطر الأشعة التداخلية؟
ردحذف