الأربعاء، 25 أبريل 2012

تطوير المحكمة الدستورية

إن الحديث عن تطوير القضاء الدستوري في الكويت مسألة يطول فيها الشرح، فالقضاء الدستوري منذ نشأته في عام ١٩٧٣ وحتى اليوم لم تمسسه يد المشرع لتصلح ما يشوبه من قصور وخلل طوال فترة قاربت الاربعين عامًا.

واليوم مع وجود مجلس الأمة ذو الاغلبية التي "تدعي" وجود مشروع اصلاح تشريعي لديها على مستوى السلطات الثلاث وتنظيمها، خرج للسطح عدة اقتراحات لتعديل قانون إنشاء المحكمة الدستورية وما قُدم منها حتى الآن اقتراحان الاول من الحركة الدستورية والآخر من النائب محمد الصقر، وللحديث عن هذه الاقتراحات سوف اتحدث في البداية عن المحكمة الدستورية وأهم ما تحتاج له من تطوير، ثم سوف أعرج على الاقتراحات المقدمة والملاحظات التي تثور حولها وفق ما بدأت به من شرح لتطوير المحكمة الدستورية.

نبدأ بالحديث عن مستلزمات تطوير المحكمة الدستورية وهي من ثلاث أوجه أو محاور

أولاً: مركزية الرقابة الدستورية
وفق نص المادة ١٧٣ من الدستور فإن الرقابة الدستورية أُعطيت للمحكمة الدستورية وحدها وذلك لضبط عملية الرقابة و" " كما جاء في المذكرة التفسيرية ولكن الواقع العملي الذي نشأ عبر قانون ٧٣/١٤ يخالف ما أراد المشرع الدستوري فوجود لجنة فحص الطعون وكذلك محكمة الموضوع (المحكمة العادية التي يقدم بها الافراد الدفع الفرعي بعدم الدستورية) تنظر الطعون والدفوع المقدمة وتفحص جديتها ولو من ظاهر الاوراق بشكل يجعلها تستأثر بالرأي دون الجهة التي عيّنها المشرع الدستوري - المجكمة الدستورية مشكلة من خمسة مستشارين كويتيين - وتحجب عنها الطعون بشكل يعيق دورها.

هنا يظهر لنا أن هناك خلل في مركزية الرقابة الدستورية التي اعتنقها المشرع الدستوري مما يوجب معه تعديل هذا الخلل.

ثانيًا: كفالة حق الافراد في مباشرة الطعن بعدم الدستورية.

أعطت المادة ١٧٣ من الدستور حق مباشرة الطعن بعدم الدستورية لكل من مجلس الوزراء ومجلس الأمة وللافراد من ذوي الشأن، إلا أن المشرع في قانون انشاء المحكمة قد خالف هذا النص بشكل واضح عبر حجب الحق في عن الافراد من ذوي الشأن عبر الطريق المباشر واكتفى بذلك عبر الطريق الغير المباشر أي عبر الدفع الفرعي امام محكمة الموضوع فقط.

وهنا إهدار لحق مقرر دستورًا لا يجب اهماله اطلاقًا لانه يكفل للافراد الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم من تعسف السلطة التشريعية تحديدًا.

ثالثًا: العمل على توفير المناخ لوجود قضاء دستوري معتبر وراسخ

وهذا الامر يتحقق عبر القضاة الذين تعهد إليهم هذه المهمة الصعبة فيجب تطوير آلية اختيار القضاة بشكل يكفل رأي مجلس الأمة وفق ما نصت عليه المذكرة التفسيرية وايضًا ايجاد قضاة متخصصين في القضاء الدستوري واخيرًا تفرغ القضاة للعمل كقضاة في المحكمة الدستورية فقط وعدم اسناد اي اعمال لهم بجانب اعمالهم كما هو معمول به في القانون الحالي، لانه اذا ما اخذنا في المحورين السابقين سيكون امام المحكمة عمل كبير وطعون كثيرة تحتاج توفير اللوازم لتهيئة قضاء دستوري يواجهها.


المقترحات المقدمة

مقترح حدس
ابرز ما فيه هو اعطاء الحق لذوي الشأن بالطعن على دستورية القوانين واللوائح بشكل مباشر.
وجود كفالة بمقدار ١٠٠٠ دينار


مقترح الصقر

مشابة لمقترح حدس يعطي الافراد - بالاضافة لجمعيات النفع العام المشهرة - بالطعن بالطريق المباشر
كذلك وجود كفالة مقدارها ٥٠٠٠ دينار.

التعليق
كلا المقترحين سطحي نعم يسعى لتعديل جوهري ومُلح إلا أن الرقابة الدستورية لاتحتاج فقط مشاركة الافراد بالدور الفعال عبر الطعن المباشر وإنما أيضًا تحتاج تسوية الخلل في مبدأ الرقابة المركزية فإعطاء الحق للافراد بوجود لجنة فحص الطعون لن يغير الكثير ما دامت اللجنة سوف تفحص الجدية وتمنع جل الطعون من النظر من قبل المحكمة المختصة وهي المحكمة الدستورية، أيضًا تطوير الرقابة الدستورية يحتاج تطوير فني كما يكرنا وهو ما أغفله كلا المقترحين فلم يتطرق كل منهما للقضاة وضرورة أن يكونوا من اصحاب الاختصاص وكذلك ان يكونوا منفرعين للمهمة الموكولة لهم.

كذلك يلاحظ وجود كفالة في كلا المقترحين وهو أمر غير محبذ لأن الطعن بعدم الدستورية هدفه وغايته حماية للدستور من التجاوز والإغفال وهو أمر يحق للجميع الدفاع عنه ومسألة وجود كفالة مبالغ فيها في مقترح حديس وكفالة خيالية في مقترح الصقر قد يعيق بعض الافراد من مباشرة حقهم بالطعن، ونذكر هنا أن المشرع السويسري أعفى الافراد من رسوم الطعن لأهمية هذا الطعن وليكفل حق الجميع في الطعن.

لذا نتمنى أن تكون المقترحات لتطوير المحكمة الدستورية مقترحات شاملة ترقى للوعي الدستوري والقانوني والسياسي الحالي وتأخذ بعين الاعتبار ما يستجد من ظروف مستقبلية خاصة تلك السياسية من احزاب وحكومات ذات أغلبية وتداول للسلطة.