الثلاثاء، 30 أبريل 2013

الاتفاقية الامنية الخليجية - ما وراء النصوص !

نظرا للّغط الذي أثارته الاتفاقية الامنية منذ أن حررت في مدينة الرياض في 13 نوفمبر الماضي حيث وقع عليها وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
ونظرا للغموض الذي يعتري هذه الاتفاقية عند الافراد, وحيث ان نصوصها اصبحت تحت الضوء بمجرد ارسالها من وزارة الخارجية لمجلس الامة تمهيدا لاقرارها بصورة قانون, سوف اضع بين ايديكم نص الاتفاقية وسوف اشير للنصوص محل الشبهة الدستورية او النصوص الماسة بحقوق الافراد وحرياتهم.
 
من المهم ان نقرأ ديباجة الاتفاقية حيث تتضمن الغرض منها (الغرض المعلن على الاقل)
 
"ايمانا منها بمبادئ الشريعة الاسلامية السمحة، وانطلاقا من روح الاخوة الصادقة والروابط الوثيقة التي تجمع فيما بينها واقتناعا منها بأواصر الروابط التي تجمع بين ابنائها ووحدتها الاقليمية ومصيرها الواحد ومصالحها المشتركة، وتأكيدا للاسس والمبادئ التي ارساها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحقيقا للمبدأ الذي ينص على ان المحافظة على امن واستقرار دول المجلس هو مسؤولية جماعية يقع عبؤها على هذه الدول، وحرصا منها على تحقيق اكبر قدر من التعاون من اجل المساهمة الفاعلة في مكافحة الجريمة بجميع اشكالها وصورها ورفع كفاءة الاجهزة الامنية، وتعزيزا لعلاقات التعاون بينها بما يخدم المصالح المشتركة، واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها، انما يخدم اهدافها ومصالحها العليا، وادراكا منها بخطورة الجريمة وآثارها الضارة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، ووصولا بالتعاون الامني القائم بين دول الملجس الى مستوى امثل واشمل"
اما النصوص فقد قسمت على ستة فصول على الشكل التالي:
الفصل الأول/ أحكام عامة
الفصل الثاني/ مجالات التعاون والتنسيق الأمني
الفصل الثالث/ ضبط الحدود
الفصل الرابع/ التعاون في مجال عمليات انقاذ الأشخاص في الحوادث
الفصل الخامس/ تسليم المتهمين والمحكومين
الفصل السادس/ أحكام ختامية

وبعد ما سبق استعراضه نتناول النصوص ذات الشبهات
 
((المادة 3: تعمل كل دولة طرف على اتخاذ الاجراءات القانونية فيما يعد جريمة، وفقا للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها او المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الاطراف الاخرى.))
هذا النص معقد لذا لا محل للجزم برغبة واضعه من وجود مثل هذا النص, كما أن المذكرة التوضيحية او التفسيرية التي ارسلتها وزارة الخارجية للمجلس هي الاخرى لم تسعفنا في ايضاح دلالات النص على وجه اليقين, مع ذلك سوف نتناول النص في حدود عباراته ,,
المادة تدعو الدول لاتخاذ الاجراءات القانونية اذا حدثت جريمة وفق قانونها المحلي قام بها مواطن او مقيم وكانت تلك الجريمة تدخل في شؤون الداخلية للدول الاطراف,
والمشكلة هنا في عبارتي ما يعد جريمة وفق القانون المحلي والتدخل في شؤون الدول الاطراف هل المقصد منها أن الكويتي اذا ما تعرض للقضاء (جريمة معاقب عليها محليا) السعودي او البحريني (وهو تفسير واسع للتدخل في الشؤون الداخلية) سوف تقوم ضده الاجراءات القانونية باعتباره قام بعمل مجرم؟؟؟
أم ان التفسير او التساؤل السابق خاطئ ,, ما هو التفسير الصحيح هنا نحتاج اجابة واضعي النص.
_____________
((المادة 4: تتعاون كل دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى – عند الطلب – بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة او المقيمين بها، في مجال اختصاصات وزارات الداخلية.))
استقر القضاء الدستوري الكويتي على صيانة المعلومات الشخصية للافراد مترجما في ذلك النص الدستوري بكفالة الحرية الشخصية للافراد وغيرها من النصوص ذات الصلة.
وتواترت احكام وقرار المحكمة الدستورية على ذلك ففي عام 1986 اكدت سرية المعلومات المصرفية وفي عام 1999 اكدت سرية المعلومات الصحية للمريض ومنعت كشفها للسلطة الرقابية الاعلى في الدولة وهي مجلس الامة.
والنص هنا اوجب على الدول الاطراف الكشف عن "المعلومات والبيانات الشخصية" المتعلقة بمجالات وزارة الداخلية للمواطنين والمقيمين على حد سواء, والحقيقة ان عبارة مجالات وزارة الداخلية عبارة مطاطة مبهمة فاذا ثارت شبهة عملية غسيل اموال سوف تطلب احدى الدول المعلومات المصرفية وسوف نكون مجبرين على كشفها لانها تتعلق بمجالات وزارة الداخلية.
ويجب التنويه هنا أن النص لم يشترط الاجراءات المعمول بها في الدولة المطلوب منها كشف المعلومات وهي عادة ما تكون اذن من النيابة العامة او اذن من البنك المركزي, وهنا مكمن الخطر الالتفاف على الاجراءات المنصوص عليها في القانون المحلي.
الشيء بالشيء يذكر ,, اذا طبق هذا النص فانه من الممكن للداخلية السعودية او غيرها الاطلاع على المعلومات الشخصية "مصرفية , امنية , صحية" للمواطنين في حين ان النائب في مجلس الامة محروم من ذلك؟!!
____________
((المادة 10: تعمل الدول الأطراف بشكل جماعي أو ثنائي، على تحقيق التكامل الفعلي للأجهزة الأمنية والتعاون الميداني فيما بينها، وتقديم الدعم والمساندة في حالة الطلب لأي دولة طرف، وفقا لظروف الدولة والدول الأطراف المطلوب منها، وذلك لمواجهة الاضطربات الأمنية والكوارث.))
 
هذا النص اخطر نصوص الاتفاقية على الاطلاق فهو يسمح لدولة طلب "الدعم والمساندة" وذلك " لمواجهة الاضطرابات الامنية والكوارث"
اذا ما قبلنا هذا الدعم في اوقات الكوارث, فما المقصود بالاضطرابات الامنية هل هي المظاهرات او المسيرات او الاجتماعات العامة او الندوات او حتى اجتماع خاص بافتراض ان من يحضر هم من جماعة الاخوان المغضوب عليهم خليجيا؟؟
ايضا ما هو المقصود بعبارة الدعم والمساندة هل هي تقتصر على افراد الشرطة " الامن الداخلي" ام تشمل الحرس الوطني ام تتسع للقوات المسلحة "الجيش"؟؟؟
 
التعرض واضح في هذا النص للنصوص الدستورية المتعلقة بالسيادة والنصوص المتعلقة بالحريات والنصوص المتعلقة بمشروعية القبض والايقاف وتوجيه التهم.

_____________
((المادة 11: تعمل الدول الأطراف، وفقا لكل حالة وبناء على طلب دولة طرف بالسماح للمختصين في الدولة الطرف الطالبة بحضور مرحلة جمع الاستدلالات التي تجري في جرائم وقعت فيها ولها صلة بأمنها، أو بجرائم مماثلة وقعت في اقليمها، أو كان مرتكبوها ممن يتمتعون بجنسيتها، أو كان لهم شركاء يقيمون فيها، أو من المقرر ان تترتب نتائجها في اقليمها.))
 
هذا النص شبيه بالنص سالف البيان ولكنه اقل من حيث مجال التطبيق, فالنص يسمح بدخول اجهزة الادلة الجنائية للدول فيما بينها ولكن بعدة حالات هي:
-ان تتصل بامن الدول طالبة الدخول او بجرائم مماثلة وقعت لدى الدولة الطالبة
-ان يكون مرتكبي الجريمة ممن يحملون جنسيتها او لهم شركاء يقيمون في الدولة الطالبة
-ان نتائج الجريمة سوف تحدث في الدولة الطالبة
 
هذا النص ايضا يتعرض للسيادة بشكل غير مباشر, ولكن لنا ان نتساءل عن مدى فاعلية هذه الاجراءات خاصة وان المجرمون سوف يحاكمون في البلد الذي ستقع به الجريمة؟؟!

_________
((المادة 14: أ - تعمل الدول الأطراف على ايجاد آلية لتنظيم سلطات الحدود، وتكون ثنائية بين كل دولتين من الدول الأطراف.....
ب - في حال عدم وجود اتفاق ثنائي، وفقا لما ورد في الفقرة (أ) لا يجوز لدوريات المطاردة التابعة لأي دولة من الدول الأطراف اجتياز الحدود البرية للدولة المجاورة، ويجوز لدوريات المطاردة البحرية اجتياز الحدود حتى نقطة تلاقي الدوريات بحرا، والتي يتفق عليها بين الدولتين المتجاورتين، وتتولى دوريات الدولة التي دخل المطاردون الى حدودها بعد ابلاغها بذلك مطاردتهم، والقاء القبض عليهم، وتسليم جميع ما في حوزتهم، ووسائط نقلهم الى أقرب مركز أو دورية تابعة للدولة التي بدأت المطاردة في اقليمها متى كانت القوانين (الأنظمة) المعمول بها في الدولة التي تم القاء القبض فيها تسمح بذلك.))

هذا النص يتعلق بالسماح بالدخول لاقليم الدولة في حالة استثنائية, وان كان البعض يرى ان فيه تعرض للسيادة, ولكن هو نص موجود في عدد من المعاهدات الدولية ففي جرائم القرصنة وجرائم الاتجار بالمخدرات يسمح بمثل هذا الدخول, لذا فلا ارى اية نوع من التعرض للسيادة خاصة انه محصور في المجال البحري, وهو اقل خطورة من الدخول للاقليم البري.
اما الشق الثاني من المادة الخاص بالتسليم فلا خطوره منه لانه علق التسليم على القواعد المحلية ومن المعروف ان الدستور يحرم تسليم المواطنين وكذلك المقيمين فهناك شروط قانونية لتسليمهم.
____________
((المادة 16: تعمل الدول الأطراف وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم على تسليم الأشخاص الموجودين في اقليمها، الموجه اليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها.))

هنا النص وان قلل من خطورته إشارته في البداية للتشريعات الوطنية للدولة المطلوب منها التسليم الا انه لا يمحو الخطورة كليا فالنص على تسليم "المتهمين" امر مريب خاصة اذا علمنا ان النص يعني انه اذا وجهت السلطات السعودية تهمة الردة على على مواطن سعودي موجود في الكويت فان الكويت ملزمة بتسليمه متى ما طلب منها ذلك بالرغم من ان جريمة الردة لا وجود لها في الكويت؟!!

الاتهام في هذا النص لا يشترط ان يوجه من الدولة التي يقيم فيها المتهم فقد تكون التهمة عابرة للحدود؟! ككما لا يشترط فيها ان تكون محل تجريم في البلد المقيم به المتهم كما وضحنا في المثال.
 
وهنا تعدي ليس على النصوص المتعلقة بحقوق المتهم فقط بل للباب الثالث من الدستور باب الحقوق والحريات.
____________
هذه مجمل الملاحظات على الاتفاقية الامنية اذا ما اعملت حسن النية في الاجهزة التي تقوم على تطبيق هذه الاتفاقية, اما اذا اعملت سوء النية بهم فان جميع نصوص الاتفاقية هي محل شك وتوجس تدعو للمطالبة برفضها كليا من قبل مجلس الامة.
____________
 

بقي اخيرا الاجابة على تساؤل يتردد كثيرا وهو هل من الممكن اذا ما اقر مجلس الامة الحالي هذه الاتفاقية العدول عنها مستقبلا مع مجلس اخر؟؟

الاجابة ,,,  نعم, فالمادة الاخيرة من الاتفاقية نظمت ذلك بالقول ...
((المادة 20: أ – ....
ب – يجوز لكل دولة طرف ان تنسحب من هذه الاتفاقية باخطار كتابي ترسله الى الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولا ينتج الانسحاب أثره الا بعد مضي ستة أشهر من تاريخ تسلم الاخطار، مع عدم الاخلال بتنفيذ الطلبات السابقة على تسلم الاخطار.))