الخميس، 20 أكتوبر 2011

المحكمة الدستورية ،،،

بدايةً يجب ازالة اللبس حول اختصاص المحكمة الدستورية ، وهذا يكون من خلال الرجوع للمادة ١ من القانون ١٩٧٣/١٤ في شأن انشاء المحكمة الدستورية التي تقول
(تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم ، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم).

وعليه يتبين ان المحكمة لا تختص بنظر محاور الاستجوابات وتقرير دستوريتها من عدمه ، اذن ما الذي نظرت المحكمة في القرار التفسيري الصادر اليوم.
المحكمة نظرت طلب التفسير الذي تقدمت به الحكومة في ٢٠١١/٥/١٧ حيث طلبت تفسير المواد ١٢٧/١٢٣/١٠٠ من الدستور وما يرتبط بها من مواد وبيان الاختصاصات التي يتم بناءً عليها تحريك المساءلة السياسية للرئيس وعن مدى جواز مساءلة الرئيس عن الاعمال التي وقعت في حكومة سابقة، وعن مصطلح السياسة العامة التي يساءل بناءً عليها الرئيس الوارد في عدد من المواد الدستورية.
تتلخص الوقائع في تقديم الحكومة لمذكرات دفاعها وحافظة المستندات المدعمة لرأيها شاملة لرأي الفقة الدستوري.
أما مجلس الامة فقد مثله كل من النائبين عبدالله الرومي وحسين الحريتي وقد قدما دفعًا واحدًا وهو سبق النظر في تفسير النصوص الدستورية في عام ٢٠٠٦.
رأي المحكمة
بداية كان على المحكمة الرد على دفع مجلس الامة وهو سبق النظر في تفسير المواد محل الطلب الحكومي اذا كان مجردًا من منازعة قضائية وهنا ردت المحكمة بأن اختصاصها في تفسير المواد الدستورية يتحقق في امرين
١-ان تكون المواد محل الخلاف من الدستور .
٢-ان يقوم نزاع حول مفهوم ودلالة النص الدستوري وهذا ينتج عن تعدد تأويلات النص سواء لدى المجلس أم الحكومة أم بينها.

وبتوافر هذين الشرطين يتاح للمحكمة ممارسة اختصاصها في توحيد دلالة النص الدستوري لضمان تطبيقه.
واضافت المحكمة ان توافر هذين الشرطين من عدم توافرهما هو اختصاص مطلق لها، كما أكدت ان اختصاصها في تفسير النصوص لا يجب ان يرتبط في منازعة قضائية ولا يأخذ شكل الخصومة القضائية وما يرتبه هذا الشكل من آثار.
وثم وضحت المحكمة ان شروط قيام اختصاصها متوفر في هذا الطلب حيث انه هناك خلاف حول معنى مصطلح السياسة العامة للحكومة الوارد في المادة ١٢٣ ومصطلح السياسة العامة للدولة الوارد في المادة ٥٨.
وهنا انتهت المحكمة من الرد على دفع مجلس الأمة.
وانتقلت لتبين رأيها في ما تقدمت به الحكومة في طلبها وكذلك في الخلاف حول دلالات مصطلح السياسة العامة الوارد في عدد من مواد الدستور وحول نطاق الاعمال التي يساءل عنها الرئيس.
وبدأت توصف ما اسندت عليه رأيها بقولها ان السلطة التنفيذية يتولاها الامير و مجلس الوزراء ولما كانت ذات الامير مصونة من اي مسؤولية فإن مجلس الوزراء هو من يتولى سلطات رئيس الدولة وعليه فإن مجلس الوزراء يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة ويتابع تنفيذها ويراقب سير العمل في الادارات الحكومية
واذا كانت المسؤولية ارتفعت عن الامير ولان السلطة (سبب المسؤولية) وضعت على عاتق مجلس الوزراء فان رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون تضامنيًا امام الامير في مايتعلق بالسياسة العامة للدولة.
كما ان كل وزير مسؤول عن اعمال وزارته امام الامير ايضًا وامام المجلس الامة وبامكان مجلس الامة طرح الثقة عن الوزير
وان رئيس الوزراء لايتولى أي وزارة ولا يمكن طرح الثقة به
وثم عرجت على المذكرة التفسيرية لتوضح أن المشرع الدستوري - الذي اتخذ نظامًا وسطًا بين النظامين البرلماني والرئاسي- اراد استقرار الوزارة من خلال الضمانات المقدمة لها ولرئيس مجلس الوزراء.
ثم دعمت رأيها في رأي سابق لها في المادة ٩٩ المتعلقة بالسؤال حيث قررت المحكمة أن سؤال الرئيس لا يكون إلا في السياسة العامة للحكومة "وقاست ضمنيًا الاستجواب على السؤال"

ثم لخصت ذلك كله بقولها أن للوزارة سلطة واسعة وان للمجلس حقًا إزاء الوزارة وهو المسؤولية الوزارية.
وان الوزير يساءل عن اختصاصات وزارته ويمكن طرح الثقة به
وان رئيس مجلس الوزراء يلقى على عاتقة مسؤولية رسم السياسة العامة للحكومة ولذا لا يتولى اية وزارة ولا يتم طرح الثقة به.
وهنا تقول رأيها بصراحة
"وبناء على ذلك فان كل استجواب يراد توجيهه لرئيس مجلس الوزراء ينحصر نطاقه في مجال ضيق وهو في حدود اختصاصه في السياسة العامة للحكومة باعتبار رئيس مجلس الوزراء هو من يتكلم نيابة عن مجلس الوزراء ويدافع عن هذه السياسة امام مجلس الامة دون ان يتعدى ذلك استجوابه عن اية اعمال تنفيذية تختص بها وزارات بعينها"
اخيرًا بينت المحكمة أن السياسة العامة للدولة هي خلاف السياسة العامة للحكومة فالاولى اعم واشمل لذا تكون الوزارة مسؤولة امام الامير عن السياسة العامة للدولة وهي تتضمن السياسة العامة للحكومة ، وتقتصر مسؤولية الوزارة امام مجلس الامة في السياسة العامة للحكومة.
--------
بعد هذا الشرح الموجز للقرار التفسيري للمحكمة،،،
إن المحكمة الدستورية وقبلها الدستور ((يفترض)) في العضو أو الاعضاء مقدمي الاستجواب حرصهم على أن تكون مساءلتهم وفقًا لاحكام الدستور ووفقًا لما أقرته المحكمة من تفسير لنصوص الدستور وأن يكونوا كأعضاء للسلطة التشريعية مثل نظرائهم أعضاء السلطة التنفيذية خاضعين لحكم الدستور متقيدين بقواعده المنظمة لعمل كل منهم.
السؤال،،، ما الذي تغير ؟؟
التغيير طرأ على نطاق مسؤولية رئيس الوزراء فقط, فقد حصرها القرار التفسيري بحدود ضيقة جدًا تتعلق بالسياسة العامة للحكومة.
كيف يمكن للمجلس أن يتعامل مع هذا التضييق؟؟
هنا تقع على العضو المستجوب مسؤولية ان تكون محاور استجوابه المقدم لرئيس مجلس الوزراء تتعلق بالسياسة العامة للحكومة.
من يقرر أن المحاور تتعلق في السياسة العامة للحكومة؟؟
من يقرر ذلك هو المجلس ويملك في ذلك سلطة تقديرية للمحاور واتساقها مع القرار التفسيري
وهذا من خلال (مثلًا) تعامله مع الاستجواب من خلال التصويت على إحالته للتشريعية للنظر في توافق محاوره والقيد الذي فرضته المحكمة الدستورية أو من خلال تعامله مع الاستجواب بعد مناقشته حيث يمتنع المجلس عن جمع العدد الكافي للتصويت على طلب عدم إمكان التعاون مع الحكومة.
هل استجواب السعدون والعنجري قائم؟؟
بعد هذا القرار التفسيري يجب أن يتقيد المجلس بما جاء به ويتعامل مع الاستجواب بموضوعية فما يتعلق بالسياسة العامة للحكومة يتم مساءلة الرئيس عنه و تتم مناقشته وما يخرج عن ذلك يستبعد تطبيقًا لنص الدستور الذي نطقت به المحكمة الدستورية وأصبح واقعًا دستوريًا يجب أن يحترم من جميع السلطات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق