بدايةً
نؤكد على احترام حكم المحكمة وأننا نوجه له نقدًا نزيهًا علميًا استخدامًا لنص
المادة ١٤٧ من قانون الجزاء الذي أباح ذلك بقوله "ولا جريمة إذا لم يجاوز فعل
المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة لحكم قضائي، سواء تعلق النقد
باستخلاص الوقائع أو تعلق بكيفية تطبيق القانون عليها."
اليوم
حكمت المحكمة الدستورية الموقرة بالطعن المقدم من الحكومة بعدم دستورية المادة
الأولى والثانية من قانون الانتخاب، وجاء حكم المحكمة بقبول الطعن شكلًا ورفضه
موضوعًا.
وقد
قدمت الحكومة طعنها مستنده على مخالفة كلا النصين للدستور ولمبدأ العدالة وتكافؤ
الفرص مستندة بذلك على نصوص الدستور ذاته وأحكام المحكمة المستقرة ورأي الفقه.
((انظر
صحيفة الطعن http://bit.ly/NEm9LU ))
وسوف
نتناول حكم المحكمة في ثلاثة بنود
١-
اختصاص المحكمة بنظر الطعن وعدم اشتراط وجود منازعة فيه.
حيث
قالت المحكمة في هذا الشأن "ومن المقرر – وعلى ما جرى به قضاؤها – أن الخصومة
ي مثل هذا الطعن عينية موجهة أصلاً إلى النص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية،
مناطها هو اختصام ذلك النص في ذاته استهداف لمراقبته والتحقق من مدى موافقته
للدستور، والطعن بهذه المثابة – وبحسب طبيعته الخاصة – ليس طعناً بين خصوم، ولكنه
طعن ضد النص التشريعي المطعون عليه، وبالتالي فلا يتصور لا واقعاً ولا قانوناً
جواز التدخل اختصاصياً أو انضمامياً في ذلك الطعن"
وهذا
الأمر منطقي يتوافق مع سوابق الاحكام التي قضت بها المحكمة.
اما
الاختصاص فلا مجال للتشكيك به فالمحاكم الدستورية أنشئت لهذا الاختصاص بدايةً ومن
ثم تطور اختصاصها بعد ذلك مع مرور التاريخ.
الغريب
أن من رجال القانون الضالعين فيه قد حاول منع المحكمة من نظر الطعن وذلك من خلال
نفي اختصاصها بذلك ،، وهنا يجب أن ننوه أن رجل القانون الحقيقي لا يتطرف في تكوين
رأيه القانوني او تحريف نصوص القانون لتحقق مآربه.
كذلك
ما يتعلق بالمنازعة الدستورية وفي بيان انها منازعة من نوع اخر وهي منازعة تقاس
علي المنازعة في قانون المرافعات مع الفارق كما قررت المحكمة في احكامها السابقة.
ويكفي
لمن يقول غير ذلك الرجوع لمجموعة الاحكام السابقة التي قررتها المحكمة.
٢-
مبدأ المساواة
تركز
طعن الحكومة على اخلال المادة الاولى والثانية لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص
الدستوري مرفقة للمحكمة جدول الدوائر واعداد الناخبين فيها للتدليل على ذلك.
(راجع
الصفحة ٩-١٠ من الطعن)
جاء
رد المحكمة هنا مشوبًا بعيب فساد الاستدلال حيث قالت "كما لا وجه لما تثيره
الحكومة من أن القانون في تحديده لمكونات كل دائرة في الجدول المرافق له لم يكن
متوازناً، نظراً للتفاوت بين عدد الناخبين في هذه الدوائر وأنه كان من شأن هذا
التفاوت على النحو الوارد به أن تفاوت الوزن النسبي لصوت الناخب في كل منها، بحيث
صار للناخبين في الدوائر الانتخابية الاكثر كثافة أصوات وزنها أقل من وزن أصوات
الناخبين في الدوائر الأقل، بما يخل بمبدأ المساواة، مستندة في ذلك على بيان
إحصائي جرى عام 2012، إذ أنه فضلاً عن أن المساواة المقصودة ليست هي المساواة
المطلقة أو المساواة الحسابية، فإنه لا يسوغ في مقام الوقوف على مدى دستورية
القانون التحديد باوقع متغير لتعييب القانون توصلاً إلى القضاء بعدم
دستوريته."
وبناء
على ما اوردت المحكمة في ردها السابق فإنها تقر باستحالة المساواة المطلقة أو
الحسابية وهذا أمر مفروغ منه.
ولكن
المحكمة اغفلت قاعدة قانونية راسخة من خلال تناولها السطحي مع الحكم وهي قاعدة
" والمساواة في جوهرها تعني التسوية في المعاملة بين المتماثلين وضعًا أو
مركزًا والمغايرة في المعاملة بين المختلفين وضعًا أو مركزًا، والمقصود بمبدأ
المساواة لدى القانون هو أن يكون الجميع أمام القانون سواء لا تفرقة بينهم أو
تمييز" وهذه القاعدة هي ما قررتها المحكمة ذاتها في حكمها في الدعوى رقم
٢٠٠٧/٧ دستوري بتاريخ ٢٠٠٧/١٢/١٠ راجع المجلد الخامس من مجموعة احكام المحكمة
الدستورية - المكتب الفني - الجزء الأول - مبدأ (١٤).
ونتساءل
هنا
هل
ناخبي الدائرة الثانية مثلًا في مركز متفاوت عن نظرائهم في الدائرة الخامسة لكي
يكون قوة الصوت لدى ناخبي الثانية تفوق ضعفين وأكثر نظرائهم في الخامسة؟؟
ما
المركز الذي بناء عليه أقرت المحكمة بإمكانية التمييز بين الناخبين في قوة الصوت
الانتخابية في مختلف الدوائر؟؟
هل
إقرار المحكمة باستحالة العدالة المطلقة يجيز لها القبول بالتمييز الصارخ في الوضع
الحالي للدوائر؟؟
الإجابة
لا ،، لان المبتدئ في القانون يعلم هذه القواعد ويعلم معيار العدالة انه ليس
مطلقًا بل نسبي بشكل لا يقرر التمييز، والقول بغير ذلك يفقد التشريعات عامة من
تحقيق اهدافها بلا مبالغة.
٣-
تعدد الدوائر
منعت
المحكمة بتعرضها للمادة ٨١ من الدستور تصور وجود الدائرة الواحدة وذلك بقولها
"فضلاً عن أن العبارة التي أستهل بها النص على أن “تحدد الدوائر…” تنصرف إلى
تحديد التخوم بين دائرة وأخرى بما يفيد تعددها"
وهنا
أيضًا ما أرى بأنه فساد استدلال من المحكمة فبمطالعة النصوص الدستورية التالية
-
المادة 65 - " للأمير حق اقتراح القوانين .."
-
المادة 70 - " يبرم الأمير المعاهدات .."
-
المادة 99 - "لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء
وإلى الوزراء أسئلة .."
والأمثلة
كثيرة
ولكن
لننظر لكل من الكلمات ( القوانين - المعاهدات - أسئلة ) هل يتصور معها حالة المفرد
؟؟
أم
اننا اذا ما أخذنا منطق المحكمة فإنه لا يتصور أن يبرم الأمير إلا معاهدة وأخرى
ولا يمكن أن يبرم معاهدة واحدة!!!
هنا
يستبين أن كثير من المفردات وردت في الدستور بصيغة الجمع و ورودها بتلك الصيغة لا
يتصور معه عدم وجود صيغة المفرد لها ومنها مصطلحات " أوسمة الشرف - استجوابات
- مراسيم ،، وغيرها "
لذا
أرى أن المحكمة جانبها الصواب في ما خلصت إليه في كل مبدأ المساواة وتعدد الدوائر.
،،،،،
أخيرًا
نستعرض لعدد من المبادئ التي قررتها المحكمة في معرض حكمها اليوم
-
"لا يسوغ التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته – مهما بلغت أهميته
وأبعاده وآثاره – يعتبر عملاً سياسياً، أو أن في استنهاض اختصاصها إقحام لها في
المجال السياسي، أو التحدي بمعاملة تشريع معين باعتباره من الحقوق الثابته لأي من
السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يجوز نقضه"
-
"لا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء
تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة، فالسيادة للأمة طبقاً
لصريح نص المادة “6″ منه"
-
"النص الوارد في المادة “108″ من الدستور بأن عضو مجلس الأمة بمثل الأمة
بأسرها، فمعناه أن يكون عضو المجلس مستقلاً كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس أسيراً
لمؤيديه من أبناء دائرته، تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وإنما يرعى
المصلحة العامة"
شكراً على هذا التحليل القانوني والفني ، وقد تطرقت لأسئلة أثارت في نفسي وقعاً ، وهي نقطة أن الحكم نفى المساواة ولم يأخذ بعين الاعتبار هذا التمايز الصارخ بين أعداد الناخبين كذلك لم يتطرق حكم المحكمة لتعريف مفردة المساواة ، وتجنبت الحديث عنه ، وهو مدعاة استغرابي الشديد
ردحذفوشكراً لتوضيحك نقطة الدائرة الواحدة وتفنيدها
تقبل مني أعذب التحايا
أعتقد أن الدائرة الواحدة باتت مرفوضة بحكم القانون ,
ردحذفتدوينة مفيدة ولاأروع ..... عساك عالقوة